الجيش السوداني يطيح البشير ووزير الدفاع يؤدّي القَسَم رئيساً للمجلس الانتقالي

Read this story in English W460

أطاح الجيش السّوداني الخميس الرئيس عمر البشير بعد 30 عاماً في الحكم، معلنًا اعتقاله واحتجازه "في مكان آمن" وتولّي "مجلس عسكري انتقالي" السُلطة لمدّة عامين، بعد أربعة أشهر من احتجاجات غير مسبوقة ضدّ النظام.

وأعلن وزير الدّفاع عوض بن عوف عبر التلفزيون الرسمي "أعلن أنا وزير الدفاع اقتلاع ذلك النظام والتحفّظ على رأسه في مكان آمن واعتقاله".

وواصل الآلاف اعتصامهم أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم مساء الخميس رغم سريان حظر تجوّل فرضه الجيش إثر إطاحة البشير، حسب شهود.

وعلى وقع هتاف "سلام، عدالة، حرية"، استهلّ المتظاهرون اعتصامهم للّيلة السّادسة على التّوالي أمام مقرّ الجيش الذي دعاهم قبيل ساعات إلى التزام حظر تجوّل بدأ العاشرة ليلاً (20,00 ت غ) ويستمرّ لغاية الرّابعة فجراً (02,00 ت غ).

وأعلن التلفزيون الرّسمي أنّ بن عوف أدّى مساء الخميس القسَم "رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي" الذي شكّله الجيش. وأضاف "الفريق كمال عبد المعروف أدّى القسم نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي".

وانتقد بن عوف "عناد النظام" وإصراره خلال الأشهر الماضية على "المعالجات الأمنية" في مسألة الاحتجاجات الشعبية.

وأشار الى أنّ المجلس الانتقالي سيلتزم "تهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة وبناء الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية".

وأعلن بن عوف تعطيل العمل بالدستور، مشيراً إلى أنّه سيتمّ وضع "دستور جديد دائم للبلاد" خلال الفترة الانتقالية، و"حلّ مؤسسة الرئاسة من نواب ومساعدين وحل مجلس الوزراء". كما أعلن حلّ حكومات الولايات ومجالسها التشريعية.

وأعلن وزير الدفاع إغلاق أجواء البلاد "لمدة أربع وعشرين ساعة" والمداخل والمعابر الحدودية "حتى إشعار آخر"، وفرض حال الطوارئ ثلاثة أشهر.

- "قوى الحرية والتغيير" -

وجاء بيان الجيش بعد طول انتظار منذ الصباح عندما أعلن التلفزيون الرسمي عن "بيان هام" سيصدر، فاجتاح المتظاهرون الشوارع، محتفلين وملوحين بالأعلام، هاتفين "سقطت، سقطت"، بلهجتهم العامية، حتى قبل معرفة مضمون البيان العسكري.

لكنّ منظمي حركة الاحتجاج سارعوا، فور انتهاء إعلان وزير الدفاع، إلى رفضه.

وقال بيان لقوى إعلان الحرية والتغيير "نفّذت سلطات النظام انقلاباً عسكرياً تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار شعبنا العظيم عليها"، مضيفاً "يسعى من دمّروا البلاد وقتلوا شعبها إلى أن يسرقوا كل قطرة دم وعرق سكبها الشعب السوداني العظيم في ثورته التي زلزلت عرش الطغيان".

وأضاف "إننا نرفض ما ورد في بيان انقلابيي النظام هذا وندعو شعبنا العظيم للمحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم وللبقاء في الشوارع في كل مدن السودان".

وطالب البيان بـ"حكومة انتقالية مدنية تعبر عن قوى الثورة".

بدوره قال عبد الواحد نور، زعيم "جيش تحرير السودان"، أحد أبرز الفصائل المتمرّدة في دارفور، "نرفض رفضاً قاطعاً +انقلاب القصر+ هذا"، معتبراً ما جرى "إعادة تدوير للنظام بوجوه جديدة".

- حظر تجوّل -

تتّجه الأنظار نحو الجيش لمعرفة كيفية تعامله مع قرار البقاء في الشارع، ولا سيّما أنّ الجيش حذّر مساء الخميس من "مخاطر قد تترتّب على عدم التزام" حظر التجوّل.

وقال الجيش إنّ "على المواطنين الالتزام بذلك (حظر التجوّل) للمحافظة على سلامتهم (...) حتى تؤدّي القوات المسلحة واللجنة الأمنية واجبها في حفظ الأمن العام وأرواح وممتلكات المواطنين".

لكنّ المتظاهرين أكّدوا عزمهم على مواصلة الاحتجاج.

وقال عادل علي، أحد المحتجين لوكالة فرانس برس، "ما الفرق بين البشير وعوض بن عوف، فقد كان نائبه الأول حتى أمس"، مضيفا "هذا البيان يعني أن كل جهدنا وشهدائنا الذين قدمناهم خلال أربعة أشهر ضاع، لكننا لن نغادر هذا الميدان. سنواصل ثورتنا".

وعلى حسابها في "تويتر"، قالت آلاء صلاح التي تحولت أيقونة للتظاهرات إنّ "الشعب لا يريد مجلساً عسكرياً انتقالياً... نريد مجلساً مدنياً يقود المرحلة الانتقالية".

- حشود -

كانت حشود ضخمة من السودانيين تجمعت في وسط الخرطوم منذ الصباح مترقبة بيان الجيش.

وقطع التلفزيون الرسمي برامجه، وبَثَّ أناشيد وطنية وعسكرية بعد الإعلان عن صدور البيان "بعد قليل".

وأقلت حافلات وسيارات متظاهرين الى مقر قيادة الجيش، وأطلقت نساء الزغاريد، ولوحت مجموعات بالأعلام وصرخ أفرادها هتافات ضد الرئيس. وتعانق المتظاهرون في الشوارع، وتبادلوا الحلوى، قبل ساعات من إعلان الجيش إطاحة الرئيس.

وكان المتظاهرون يطالبون منذ ستة أيام بانضمام الجيش الى مطلبهم تنحي البشير.

وخرج متظاهرون محتفلين كذلك في مدن عدة بينها مدني والقضارف وبورتسودان والأبيض وكسلا.

وذكر شهود أن متظاهرين هاجموا مركزا لجهاز الأمن والمخابرات السوداني النافذ في كسلا بشرق السودان، ومقرا للجهاز في بورتسودان بالشرق أيضا.

وناشدت "قوى إعلان الحرية والتغيير" في بيان "الجميع ضبط النفس والتحلي بالحكمة والعقل وعدم التفلت أو الاعتداء على أي ممتلكات حكومية أو شخصية"، مرددة شعار "سلمية، سلمية".

وتعرض المتظاهرون خلال الأيام الماضية مرارا لإطلاق غازات مسيلة للدموع ومحاولات تفريق قام بها جهاز الأمن والمخابرات، بحسب منظمي التجمّع، لكنهم تمسكوا بالبقاء أمام المقرّ.

وبلغ عدد القتلى في حركة الاحتجاج المستمرة منذ كانون الأول/ديسمبر، 49، بحسب السلطات.

إلا أنّ منظّمات غير حكوميّة تؤكّد أنّ الحصيلة أكبر، مشيرةً إلى أنّ 51 شخصًا قُتلوا حتّى السبت الماضي.

اندلعت التظاهرات في 19 كانون الأوّل/ديسمبر ردًّا على قرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف. ثم تحوّلت إلى حركة احتجاجية غير مسبوقة في كلّ أنحاء البلاد.

وبقي البشير متمسّكاً بموقفه، وفرَضَ سلسلة إجراءات مشدّدة شملت إعلان حال الطوارئ في أنحاء البلاد، اعتُقل على أثرها صحافيّون وناشطون.

- ردود فعل -

تفاوتت مواقف المجتمع الدولي بين من سارع إلى انتقاد الانقلاب العسكري ومن دعا إلى الهدوء وضبط النفس، فيما يجتمع مجلس الأمن الدولي الجمعة لبحث التطورات السودانية.

وقال الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش في بيان امتنع فيه عن إدانة الانقلاب العسكري إنّه "يجدّد دعوته إلى الهدوء وإلى التزام الجميع أكبر قدر من ضبط النفس"، آملاً "أن تتحقّق التطلّعات الديموقراطية للشعب السوداني من خلال عملية انتقالية مناسبة وشاملة".

ودعت الولايات المتّحدة الخميس الجيش السوداني إلى تشكيل حكومة "جامعة" تضم مدنيين. وقال المتحدّث باسم الخارجية الأميركية إنّ "الولايات المتحدة تواصل دعوة السلطات الانتقالية إلى ضبط النفس وفسح المجال أمام مشاركة مدنيين في الحكومة".

بدورها دعت وزيرة خارجية الاتّحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الجيش السوداني إلى نقل السلطة "سريعاً" إلى المدنيين، منوّهةً برغبة الشعب في التغيير.

في نيويورك، أفاد دبلوماسيون أنّهم يتوّقعون أن يعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة الجمعة لبحث الوضع في السودان، بعدما طلبت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبولندا عقد الجلسة.

من ناحيتها أبدت القاهرة ثقتها ب"قدرة الشعب السوداني وجيشه" على تجاوز المرحلة.

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخميس إنّه يأمل أن يتّجه السودان نحو "عملية ديموقراطية طبيعية" بعد إطاحة البشير، الحليف الوثيق لتركيا.

في لندن، طالبت منظمة العفو الدولية "السلطات السودانية بتسليم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية" التي تلاحقه بتهم ارتكاب "بعضٍ من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في عصرنا".

التعليقات 0